فصل: الإعراب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة العنكبوت: الآيات 41- 44]:

{مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذُوا منْ دُون اللَّه أَوْلياءَ كَمَثَل الْعَنْكَبُوت اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوت لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوت لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ منْ دُونه منْ شيء وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (42) وَتلْكَ الْأَمْثالُ نَضْربُها للنَّاس وَما يَعْقلُها إلاَّ الْعالمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّماوات وَالْأَرْضَ بالْحَقّ إنَّ في ذلكَ لَآيَةً للْمُؤْمنينَ (44)}.

.اللغة:

{الْعَنْكَبُوت} دويّبة معروفة تنسج من لعابها خيوطا وتصيد بذلك النسيج طعامها والجمع عناكب وعنكبوتات والعنكب ذكرها والجمع عناكب وعناكيب والعنكبة والعنكباة والعكنباة أنثاها والجمع عناكب وعناكيب، وقال علماء التصريف والعنكبوت معروف ونونه أصليه والواو والتاء مزيدتان بدليل قولهم في الجمع عناكب وفي التصغير عنيكيب ويذكر ويؤنث وهذا مطرد في أسماء الأجناس وقال ابن يعيش في شرح المفصل ومن ذلك فعللوت قالوا عنكبوت وتخربوت ولم يأت صفة فالعنكبوت معروفة وهي دويبة تنسج لها بيوتا من خيوط واهية والتخربوت الناقة الفارهة والواو والتاء في آخرهما زائدتان زيدا في آخر الرباعي كما زيدا في آخر الثلاثي من نحو ملكوت ورهبوت وسيأتي البحث عن التشبيه المتعلق ببيت العنكبوت في باب البلاغة.

.الإعراب:

{مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذُوا منْ دُون اللَّه أَوْلياءَ كَمَثَل الْعَنْكَبُوت اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوت لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوت} حال من اتخذ الأصنام أولياء وعبدها واعتمدها راجيا نفعها وشفاعتها كحال العنكبوت كما سيأتي في باب البلاغة.
ومثل مبتدأ والذين مضاف اليه وجملة اتخذوا صلة وهو فعل وفاعل ومن دون اللّه حال وأولياء مفعول به وكمثل خبر وقد تقدم نظيره، العنكبوت مضاف اليه وجملة اتخذت بيتا حالية.
{لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} لو شرطية وكان واسمها وجملة يعلمون خبرها وجواب لو محذوف تقديره لما عبدوها.
{إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ منْ دُونه منْ شيء وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ} الجملة تعليل لما قبله وان واسمها وجملة يعلم خبرها وما اسم موصول مفعول يعلم وجملة يدعون صلة والعائد محذوف أي يعلم الذين يدعونهم ويعلم أحوالهم والمراد بالتعليل التوكيد لما ضربه من مثل ومن دونه حال ومن شيء متعلقان بيدعون ويجوز أن تكون ما نافية ومن شيء مفعول يدعون على أن من زائدة لسبقها بالنفي وجملة ما يدعون في محل نصب مفعول يعلم وهو مبتدأ والعزيز خبر أول والحكيم خبر ثان.
وقال بعضهم: ما استفهامية أو نافية أو موصولة ومن للتبعيض أو مزيدة للتوكيد، وقيل أن هذه الجملة على إضمار القول أي قل للكافرين إن اللّه يعلم أي شيء يدعون من دونه.
{وَتلْكَ الْأَمْثالُ نَضْربُها للنَّاس وَما يَعْقلُها إلَّا الْعالمُونَ} الواو عاطفة وتلك مبتدأ والأمثال بدل وجملة نضربها للناس خبر ويجوز أن يكون الأمثال خبرا وجملة نضربها حال يكون أو خبرا ثانيا، والواو حالية وما نافية ويعقلها فعل مضارع ومفعول به وإلا أداة حصر والعالمون فاعل يعقلها وسيأتي بحث الأمثال في باب البلاغة.
{خَلَقَ اللَّهُ السَّماوات وَالْأَرْضَ بالْحَقّ إنَّ في ذلكَ لَآيَةً للْمُؤْمنينَ} كلام مستأنف للشروع في تسلية المؤمنين بعد أن خامرهم اليأس من إيمان الكفار. وخلق اللّه السموات فعل وفاعل ومفعول به وبالحق حال والباء للملابسة وإن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبر إن المقدم واللام المزحلقة وآية اسم إن المؤخر وللمؤمنين صفة لآية.

.البلاغة:

في قوله: {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} فن التمثيل وقد تقدمت نماذج مختارة منه وبعضهم يجعله ضربا من ضروب الاستعارة ويمثل له بقول امرئ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ** بسهميك في أعشار قلب مقتّل

فمثّل عينيها بسهمي الميسر يعني المعلّى وله سبعة أنصباء، والرقيب وله ثلاثة أنصباء فصار جميع أعشار قلبه للسهمين اللذين مثل بهما عينيها، ومثّل قلبه بأعشار الجزور فتمت له جهات الاستعارة والتمثيل. وفي الآية مثّل ما اتخذوه متكلا ومعتمدا في دينهم وتولوه من دون اللّه بما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة وهو نسج العنكبوت، أي كما صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت فقد صح أن دينهم أضعف الأديان وأوهنها.
ومن جيد التمثيل قول عمر بن أبي ربيعة وكانوا يسمون شعره الفستق المقشر:
أيها المنكح الثريا سهيلا ** عمّرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استهلت ** وسهيل إذا استقل يماني

يعني الثريا بنت علي بن عبد اللّه بن الحارث بن أمية الأصغر، وكانت نهاية في الحسن والكمال، وسهيل بن عبد الرحمن بن عوف وكان غاية في القبح والدمامة، فمثّل بينهما وبين سمييهما ولم يرد إلا بعد ما بينهما وتفاوته خاصة لأن سهيلا اليماني قبيح لا دميم.
وعليه ورد قول المتنبي أيضا من قصيدة يذكر فيها خروج شبيب الخارجي ومخالفته كافورا:
برغم شبيب فارق السيف ** كفه وكانا على العلات يصطحبان

كأن رقاب الناس قالت لسيفه ** رفيقك قيسي وأنت يماني

فإن شبيبا الخارجي الذي خرج على كافور الاخشيدي وقصد دمشق وحاصرها وقتل على حصارها كان من قيس ولم تزل بين قيس واليمن عداوات وحروب، وأخبار ذلك مشهورة والسيف الذي يقال له يماني في نسبته إلى اليمن، ومراد المتنبي أن شبيبا لما قتل وفارق كفه السيف فكأن الناس قالوا لسيفه: أنت يماني وصاحبك قيسي ولهذا جانبه السيف وفارقه.
التمثيل في رأي عبد القاهر:
وسبب آخر يذكره عبد القاهر مبينا به روعة التمثيل ويراه محيطا بأطراف الباب وذلك أن لتصور الشبه من الشيء في غير جنسه وشكله بابا آخر من الظرف واللطف ومذهبا من مذاهب الاحساس لا يخفى موضعه من العقل وإذا استقريت التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشد كانت إلى النفوس أعجب، وكانت النفوس لها أطرب والتمثيل أخص شيء بهذا الشأن.
قال عبد القاهر: وهل تشك في أنه يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين حتى يختصر بعد ما بين المشرق والمغرب وهو يريك المعاني الممثلة شبها في الاشخاص الماثلة، وينطق لك الأخرس، ويعطيك البيان من الأعجم، ويريك الحياة في الجماد ويريك التئام عين الأضداد، ويجعل الشيء قريبا بعيدا معا ونكتفي الآن بهذا القدر على أن نعود إلى هذا البحث في موطن آخر من هذا الكتاب.

.[سورة العنكبوت: الآيات 45- 49]:

{اتْلُ ما أُوحيَ إلَيْكَ منَ الْكتاب وَأَقم الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَن الْفَحْشاء وَالْمُنْكَر وَلَذكْرُ اللَّه أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) وَلا تُجادلُوا أَهْلَ الْكتاب إلاَّ بالَّتي هيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذينَ ظَلَمُوا منْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بالَّذي أُنْزلَ إلَيْنا وَأُنْزلَ إلَيْكُمْ وَإلهُنا وَإلهُكُمْ واحد وَنَحْنُ لَهُ مُسْلمُونَ (46) وَكَذلكَ أَنْزَلْنا إلَيْكَ الْكتابَ فَالَّذينَ آتَيْناهُمُ الْكتابَ يُؤْمنُونَ به وَمنْ هؤُلاء مَنْ يُؤْمنُ به وَما يَجْحَدُ بآياتنا إلاَّ الْكافرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا منْ قَبْله منْ كتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بيَمينكَ إذًا لارْتابَ الْمُبْطلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيات بَيّنات في صُدُور الَّذينَ أُوتُوا الْعلْمَ وَما يَجْحَدُ بآياتنا إلاَّ الظَّالمُونَ (49)}.

.الإعراب:

{اتْلُ ما أُوحيَ إلَيْكَ منَ الْكتاب وَأَقم الصَّلاةَ} كلام مستأنف مسوق للحث على تلاوة الكتاب وتدبر منطوياته والعمل بأحكامه، وإقامة الصلاة المكتوبة المؤداة بالجماعة لتوحيد الكلمة وتصفية النفس من أدران الشوائب، وأتل فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله مستتر تقديره أنت أي يا محمد والخطاب له ليشمل كل فرد من أفراد أمته وما مفعول به وجملة أوحي صلة وإليك متعلقان بأوحي، ومن الكتاب حال وأقم فعل أمر معطوف على أتل والفاعل مستتر تقديره أنت أيضا والصلاة مفعول به.
{إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَن الْفَحْشاء وَالْمُنْكَر وَلَذكْرُ اللَّه أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ} الجملة تعليل للأمر بإقامة الصلاة، وان واسمها وجملة تنهى عن الفحشاء والمنكر خبرها والواو استئنافية واللام لام الابتداء وذكر اللّه مبتدأ وأكبر خبر واللّه الواو وعاطفة واللّه مبتدأ وجملة يعلم خبر وفاعله مستتر تقديره هو وما مفعول به وجملة تصنعون صلة.
{وَلا تُجادلُوا أَهْلَ الْكتاب إلَّا بالَّتي هيَ أَحْسَنُ إلَّا الَّذينَ ظَلَمُوا منْهُمْ} كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان إرشاد أهل الكتاب وكيفية مجادلتهم، ولا ناهية وتجادلوا فعل مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعل وأهل الكتاب مفعول به وإلا أداة حصر وبالتي متعلقان بتجادلوا وموصوف الموصول محذوف أي بالمجادلة التي، وهي مبتدأ وأحسن خبر والجملة صلة التي وإلا أداة استثناء والذين استثناء من الجنس وفي المعنى وجهان أوردهما أبو البقاء قال: أحدهما إلا الذين ظلموا منهم فلا تجادلوهم بالحسنى بل بالغلظة لأنهم يغلظون لكم فيكون مستثنى من التي هي أحسن لا من الجدل والثاني لا تجادلوهم البتة بل حكّموا فيهم السيف لفرط عنادهم.
{وَقُولُوا آمَنَّا بالَّذي أُنْزلَ إلَيْنا وَأُنْزلَ إلَيْكُمْ وَإلهُنا وَإلهُكُمْ واحد وَنَحْنُ لَهُ مُسْلمُونَ} الواو عاطفة وقولوا فعل أمر وفاعل وجملة آمنا مقول القول وبالذي متعلقان بآمنا وجملة أنزل صلة وإلينا متعلقان بأنزل وأنزل إليكم عطف على أنزل إلينا ففي الكلام حذف الموصول الاسمي أي والذي أنزل إليكم وإلهنا الواو عاطفة وإلهنا مبتدأ وإلهكم عطف على إلهنا وواحد خبر ونحن مبتدأ وله متعلقان بمسلمون ومسلمون خبر نحن وفي هذا القول منتهى المناصحة والنصفة والاقناع.
{وَكَذلكَ أَنْزَلْنا إلَيْكَ الْكتابَ} الكاف نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الانزال أنزلنا، وأنزلنا فعل وفاعل وإليك متعلقان بأنزلنا والكتاب مفعول به.
{فَالَّذينَ آتَيْناهُمُ الْكتابَ يُؤْمنُونَ به} الفاء تفريعية والذين مبتدأ وجملة آتيناهم صلة وهو فعل وفاعل ومفعول به والكتاب مفعول به ثان وجملة يؤمنون به خبر الذين.
{وَمنْ هؤُلاء مَنْ يُؤْمنُ به وَما يَجْحَدُ بآياتنا إلَّا الْكافرُونَ} الواو عاطفة ومن هؤلاء خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يؤمن به صلة وهذا من قبيل الاخبار بالمغيبات وهي إحدى ميزات القرآن الكريم والواو حالية وما نافية ويجحد فعل مضارع مرفوع وبآياتنا متعلقان به وإلا أداة حصر والكافرون فاعل يجحد.
{وَما كُنْتَ تَتْلُوا منْ قَبْله منْ كتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بيَمينكَ إذًا لَارْتابَ الْمُبْطلُونَ} كلام مستأنف للشروع في إيراد الدليل على إعجاز القرآن، وما نافية وكنت كان واسمها وجملة تتلو خبرها وفاعل تتلو مستتر تقديره أنت ومن قبله حال لأنه كان صفة لكتاب ويجوز تعليقه بتتلو ومن حرف جر زائد وكتاب مجرور بمن لفظا منصوب محلا على أنه مفعول تتلو والواو حرف عطف ولا نافية وتخطه فعل مضارع معطوف على تتلو وبيمينك متعلقان بتخطه وإذن حرف جواب وجزاء مهمل وقد تضمن معنى الجواب لشرط محذوف أي لو كان شيء من ذلك أي من التلاوة والخط، ولارتاب اللام واقعة في جواب إذن وارتاب المبطلون فعل ماض وفاعل.
{بَلْ هُوَ آيات بَيّنات في صُدُور الَّذينَ أُوتُوا الْعلْمَ} بل إضراب عن ارتيابهم أي ليس فيه ما يدعو إلى الارتياب فيه وهو محفوظ في الصدور وهو مبتدأ وآيات خبر وبينات صفة لآيات وفي صدور متعلقان بمحذوف خبر ثان لهو أي هو مثبت محفوظ في صدورهم والذين مضاف اليه وجملة أوتوا العلم صلة والعلم مفعول به ثان لأوتوا.
{وَما يَجْحَدُ بآياتنا إلَّا الظَّالمُونَ} تقدم اعراب نظيرها قريبا.

.البلاغة:

الاطناب:
في قوله: {ولا تخطه بيمينك} إطناب لابد منه فذكر اليمين وهي الجارحة التي يزاول بها الخط فيه زيادة في التصوير واستحضار لنفي كونه كاتبا، وقد قدمنا أن الاطناب يرد حقيقة ومجازا، وهذا من النوع الاول ومثله قولهم: رأيته بعيني وقبضته بيدي، ووطئته بقدمي، وذقته بفمي، وكل هذا يظنه الظان المبتدئ والسطحي انه من قبيل الزيادة والفضول وانه لا حاجة اليه ويقول: إن الرؤية لا تكون إلا بالعين والقبض لا يكون إلا باليد والوطء لا يكون إلا بالقدم والذوق لا يكون إلا بالفم وليس الأمر كما توهم بل هذا يقال في كل شيء يعظم مناله ويعز الوصول اليه وهو كثير في القرآن الكريم وقد تقدم بعضه وسيأتي الكثير منه أيضا.